خمسة فلسفات للقيادة الناجحة: دروس مستفادة من القيادة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد قيادة المئات من الأشخاص في حياتي، قمت بالكثير من الأخطاء وتعلمت بمقابلها الكثير من الدروس. صحيح حزت على جائزة الأمير محمد بن فهد للقيادية الشابة في عمر صغير نسبيا، وعلى تكريمات أخرى مرتبطة بالقيادة، ولكن أعرف داخليا بأن هناك الكثير من الفوضى الخلاقة التي تحدث في عقلية القائد والريادي حينما يدير البشر، فكثير من المشكلات تحدث لا بسبب الأفكار وإنما بسبب التصادم الذي يحدث بين الأفكار والثقافات المختلفة والاختلاف بين الناس، وهذا الشيء طبيعي. قد لا تظهر هذه الفوضى أمام الملأ ولكنها موجودة بكل تأكيد

ولكن باعتقادي بعد كل هذه الدروس صارت القيادة جزء من الحمض النووي لدي كما أتخيلها، فهي بسيطة سلسة سهلة أحبها وجزء مني، ولكنها تحتاج دوما للكثير من الممارسة والتمرين والمرونة والتكيف السريع بحسب الظروف والأزمات النفسية والصحية والاجتماعية والمهنية المختلفة التي يمر بها القائد و الفريق

القيادة من منظوري هي أن تكون قدوة وأن تمثل القيم التي تود أن تراها في فريقك. أن تهتم بما يهمهم وتكون مؤثراً بشكل إيجابي، كل هذا وأنت تحافظ على المعايير والإجراءات التي تضمن سير العمل واستمراريته. القيادة ليست فقط اتخاذ قرارات أو توجيه أوامر، بل تتعلق ببناء فريق متكامل يفهم الأهداف ويعمل معًا لتحقيقها.

دورك كقائد هو أن توضح للفريق النتائج والإجراءات الأساسية بشكل واضح، وتدعمهم بالموارد والأدوات اللازمة. لا تقتصر القيادة على المتابعة، بل تشمل تحسين الإجراءات باستمرار والتأكد من أن الفريق يمتلك كل ما يحتاجه للنجاح

في هذه المقالة سأشارك معكم خمسة فلسفات أساسية في القيادة تحدثت عنها مع المشتركين في برنامج “بزنس بوست+”، وأعتقد أنها ستفيد أي شخص يبحث عن توازن وفعالية في قيادته:

1. المال vs. الوقت

غالبًا ما يفضل القادة الحفاظ على المال على حساب الوقت. تجد البعض يقومون بتنفيذ المهام بأنفسهم لتوفير التكاليف، متناسين أن الوقت هو أثمن مورد لا يمكن تعويضه. في القيادة وريادة الأعمال، يُعتبر الوقت أهم الموارد، لأنه غير قابل للاستعادة. في المقابل، المال يمكن تعويضه أو استثماره لتحقيق عائد أكبر. القادة الناجحون يدركون أن استثمار المال لتوفير الوقت هو الخيار الأذكى

غالبًا ما يرتكب رواد الأعمال خطأً بمحاولة القيام بكل شيء بأنفسهم لتوفير المال، لكن ذلك يؤدي إلى إهدار الوقت في مهام يمكن تفويضها. بدلًا من الانغماس في التفاصيل اليومية، يجب على القائد التركيز على الأعمال الأكثر تأثيرا بالبزنس. استثمار المال في توظيف الأشخاص المناسبين أو استخدام الأدوات الصحيحة التي يمكن أن توفر ساعات ثمينة تتيح لك التركيز على النمو

الفرص الضائعة تأتي من إضاعة الوقت في مهام بسيطة. القاعدة الذهبية في القيادة وريادة الأعمال هي أنك تستثمر المال لكسب الوقت، وليس العكس. القائد الناجح هو الذي يدرك أهمية تفويض المهام واستثمار المال بحكمة ليحقق أفضل النتائج في أسرع وقت. الوقت لا يزيد ولا يمكن تعويضه، لذلك استثماره بشكل ذكي يعني تحقيق نتائج أفضل في وقت أقل

2. التدريب vs. إعطاء الأوامر

بدلًا من إعطاء الأوامر طوال الوقت، ركّز على تدريب الفريق. التعليم والتأهيل جزء أساسي من القيادة الناجحة. عندما يفهم الفريق أهداف الشركة وكيفية تنفيذ مهامهم بفعالية، ستقل حاجتك للتدخل المباشر، وسينمو الفريق ليصبح أكثر اعتمادًا على نفسه

بدلاً من التركيز على إعطاء الأوامر فقط، من أهم أدوار القائد الناجح هو بناء الفريق الذي يمكنه بناء العمل بشكل مستدام. القائد الذي يضع ثقته في فريقه، ويقوم بتدريبهم وتطوير مهاراتهم، يساهم في تأسيس بيئة عمل تتيح للفريق النمو والمساهمة في تحقيق أهداف الشركة على المدى الطويل

التدريب لا يعني مجرد تعليم المهارات الفنية، بل هو عملية تمكين الفريق لفهم أهداف الشركة الكبرى وكيف يمكنهم المساهمة في بنائها. عندما تستثمر في تدريب الفريق، فأنت لا تبني أشخاصاً ينفذون المهام فقط، بل تبني فريقاً لديه القدرة على قيادة البزنس والمشروع بدلاً منك في يوم من الأيام. وهذا هو الهدف الأسمى لأي قائد: أن يكون لديه فريق يمكنه الاعتماد عليه لبناء واستمرارية العمل، حتى في غيابه.

تدريب الفريق يمكن أن يشمل دورات تدريبية، ورش عمل، أو حتى جلسات توجيهية قصيرة 1:1 تساعدهم على فهم الأهداف العامة وتطوير مهاراتهم وفهم القائد كذلك لفريقه وأحلامهم وتطلعاتهم

3. الإجراءات vs. الأشخاص

كقائد، يجب أن تفكر في النظام والإجراءات قبل الأشخاص. الأنظمة هي التي تضمن استمرارية العمل وتساعد الفريق على تحقيق النجاح. قبل أن تلوم شخصًا في فريقك على تقصير معين، تأكد من أن الإجراءات تسير كما ينبغي. هل لديهم الموارد والمعرفة اللازمة؟ هل وضحت لهم التوقعات بشكل كافٍ؟

إذا وجدت أن هناك نقصًا، قم بتقديمه وتوفيره، توضيح الإجراءات والأنظمة المناسبة، وبعدها قدم الدعم والتدريب. وإذا لم ينجح ذلك بعد فترة، عندها يمكنك اتخاذ القرارات الصعبة التي قد تكون ضرورية للحفاظ على مصلحة العمل. ولكن الأهم هو أن تضمن أن الأنظمة واضحة ومستقرة قبل أن تعزو أي تقصير للأشخاص

4. العزم والإصرار vs. الطحن والكرف

الفرق بين الإصرار والطحن يتجاوز مجرد التوازن بين العمل والجودة. يتعلق الأمر أيضًا بالعلاقة التي تبنيها مع فريقك وكيف تحفزهم لتحقيق أهدافهم الشخصية بالتوازي مع أهداف الشركة. القادة الذين يطلبون فقط من الفريق إنهاء المهام وربط العمل بعلاقة تعاقدية صارمة – أي العمل مقابل العقد والراتب فقط – يفقدون فرصة كبيرة لتحقيق نتائج أعمق وأكثر ديمومة

هناك فرق بين أن تجعل فريقك يشعر أن العلاقة بينكم مجرد معاملة مادية، وبين أن تربط العزم والإصرار الخاص بكل فرد بأحلامهم وأهدافهم الشخصية. عندما تعترف بأهدافهم وتساعدهم على تحقيقها، سواء كانت مهنية أو شخصية، فإنك تبني فريقًا أكثر ولاءً وتحفيزًا

القيادة الحقيقية تكمن في القدرة على فهم أن كل عضو في الفريق له طموحات وأهداف خاصة. إذا استطعت أن تربط تلك الأهداف برؤية الشركة وأهدافها الكبرى، ستجد أن الفريق يعمل بحماس أكبر، لأنهم يرون أن نجاحهم الشخصي مرتبط بنجاح الشركة. هذه الطريقة لا تجعل العمل مجرد وسيلة لكسب العيش، بل جسر لتحقيق الأحلام والرؤية التي يطمحون إليها

لذلك، كقائد، لا تجعل العلاقة بينك وبين فريقك تعاقدية فقط. اسعَ لاحتواء طموحاتهم وتقديم الدعم الذي يمكّنهم من تحقيقها. قدم لهم فرصًا للتعلم والنمو، واجعلهم يشعرون أن ما يقومون به اليوم سيأخذهم خطوة أقرب نحو أحلامهم الشخصية. عندما يربطون جهدهم وإصرارهم بأهدافهم، ستجد أن العطاء يكون أكبر، والإصرار يزداد قوة. إدارة الفريق بهذه الطريقة ليست فقط مرتبطة بالنتائج، بل أعمق.. نحو بناء ثقافة عمل تجعل الجميع يرغب في تقديم أفضل ما لديه لأنه يرى في نجاح المشروع نجاحًا شخصيًا له أيضًا

5. المعايير vs. الحضور

كثير من رواد الأعمال والقادة يضعون حدوداً على التوسع أو يترددون في استقبال المزيد من الطلبات خوفاً من أن العميل يطلبهم بسبب حضورهم الشخصي، ومع امتلاء جداولهم وإرهاقهم قد يعتذرون. وهذه الأفكار كذلك قد تقود البعض لاعتقاد أن العمل سينهار إذا لم يكونوا متواجدين بأنفسهم في كل تفصيل. وهذا الأمر يعبي عند الإنسان شعور الأنا ويشعره بأهمية وجوده

لكن الحقيقة هي أن العميل يهتم بالمعايير والخدمة التي يقدمها القائد أكثر من اهتمامه بحضوره الشخصي. إذا كانت معايير القائد مع الفريق ومنهجية القائد قوية وثابتة، فإن العميل سيظل مخلصًا لشركتك، بغض النظر عن وجودك الشخصي. لا تجعل هذا الاعتقاد الخاطئ يحد من توسعك أو يعيق نمو شركتك

فهم هذه النقطة يفتح آفاقًا أكبر لتوسيع الأعمال دون أن يكون الوقت حضور القائد الشخصي هو العائق. بناء نظام ومعايير واضحة هو ما يحافظ على جودة الخدمة أو المنتج ويضمن استمرارية العملاء، وليس الحضور الفعلي. لذا، بدلاً من وضع سقف للنمو، على القائد أن يركز على تقوية المعايير والإجراءات التي تضمن رضا العميل بغض النظر عن وجوده أو عدمه

إجمالاً، القيادة تتطلب توازنًا بين هذه الفلسفات الخمس. القائد الناجح هو من يستطيع تحديد الأولويات، استثمار الوقت والموارد بذكاء، بناء فريق يبني البزنس معه متعلم ومؤهل، واتخاذ القرارات الصائبة التي تضمن استمرارية العمل وتحقيق النجاح.

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *