التفويض بين الأنا والحرية: كيف تقود فريقك نحو النجاح

في بدايات البزنس، كنت أشعر بالتعب والإرهاق، كنت أعمل بجد وأواجه صعوبة كبيرة في الاعتماد على أي شخص غيري. كنت أسلّم مهمة لأحدهم، ثم أتابعها معه عشر مرات، وكأنني غير قادرة على التخلي عن السيطرة. أحيانًا، عندما أكون تحت ضغوط كبيرة، أعود لهذه العادة من جديد. لكن عندما أنتبه، أو عندما ينبهني الفريق، أتذكر الدروس التي تعلمتها.

في تلك الفترة، كان عدم شعوري بالثقة في الآخرين نابعًا من اعتقادي أن لا أحد يمكنه إنجاز العمل مثلي. هذا كان حديث الأنا، تلك الأنا المغرورة التي تعتقد أنها الأذكى والأكثر كفاءة. كل هذا أدى إلى الإرهاق الجسدي والعقلي. كنت أنام قليلاً، وأعاني من آلام في الظهر والجسد، ليس فقط لأنني أهملت صحتي، ولكن أيضًا لأنني كنت أحمّل نفسي فوق طاقتي (ولم أكن أحتاج لذلك). كل هذا بسبب اعتقاد داخلي يمنعني من الاعتراف بأن الآخرين يمكنهم القيام بالعمل بنفس الكفاءة.

اليوم، أضحك على تلك النسخة القديمة مني. بعد أن أدرت مئات الأشخاص في حياتي العملية، أدركت أن الكثير من تلك التحديات كانت داخلية. نعم، هناك تحديات خارجية بالطبع، لكن الأنا كانت العائق الأكبر. من السهل أن نعتقد أننا الوحيدون القادرون على القيام بكل شيء، لكن الحقيقة هي أن النجاح الحقيقي يأتي من فريق متكامل، وليس من فرد واحد.

أي رائد أعمال ناجح مرّ بنفس هذه التحديات. تشعر بأن كل شيء يعتمد عليك، وأنك وحدك من يعرف كيف تدار الأمور بالشكل الصحيح. لكن هذه العقلية تستنزف طاقتك وتحد من قدرتك على التوسع والنمو.

في هذه المقالة، سأتحدث عن هذا الموضوع: لماذا يصعب علينا التفويض، ولماذا يجب ألا نصدق هذا الصوت الداخلي الذي يقول “لا أحد يستطيع فعل ذلك مثلي”، وكيف يمكنك أن تصبح مفوضًا ماهرًا، تعمل من خلال فريقك دون أن تكون عائقًا لتقدم العمل.

التحرر من الأنا: لماذا يصعب علينا التفويض؟

السبب الأول يكمن في “الأنا”. كرائد أعمال، تشعر بأنك أنت من أنشأ البزنس، وأنت من تعب لتحقيق كل إنجاز، وبالتالي، فإن فكرة تسليم جزء من هذا النجاح لشخص آخر قد تبدو صعبة. ولكن هنا يكمن الخطأ، لأن التفويض ليس اعترافًا بأنك لا تستطيع القيام بالأمر، بل هو تأكيد على أنك قائد حقيقي يعرف متى وكيف يعتمد على فريقه.

في مرحلة ما في الماضي، حينما كنت مرهقة جدا، من كل شيء – وقررت البدء في تفويض بعض المهام، وبالفعل، وجدت أن طريقة تفكيري وحياتي تغيرت. لم أعد أرى الإمكانية بحسب قدرتي ووقتي فقط، وإنما أوسع وأكبر – ووجدت نفسي قادرة على التركيز على الأمور الاستراتيجية التي تساهم بشكل مباشر في نمو العمل – وحتى الفريق قد لاحظ ذلك.

كيف نفوض بذكاء؟

وهنا أشارككم قاعدة أحبها جدًا وقد تعلمتها من مدربي في الأعمال دان مارتيل، وهي قاعدة “10-80-10”. هذه القاعدة ساعدتني على أن أفوض المهام بثقة، دون أن أشعر بأنني أترك الجودة على المحك.

تطبيق قاعدة 10-80-10 بشكل فعال يعتمد على فهم الأدوار في كل مرحلة والالتزام بالخطوات بشكل تدريجي. وهنا كيفية تطبيقها:

1. الـ 10% الأولى: توجيه وتحديد الأساسيات

في هذه المرحلة، عليك توضيح المهمة التي تريد تفويضها بشكل واضح ودقيق. اشرح:

  • الهدف النهائي من المهمة.
  • المعايير والمقاييس التي سيتم بناءً عليها تقييم النجاح.
  • الخطوات الأساسية والموارد المتاحة التي ستساعد الفريق على إنجاز المهمة.

نصيحة: قدم مثالًا أو نموذجًا إذا كان ذلك ممكنًا لتوضيح النتائج المتوقعة. كن دقيقًا بشأن التوقعات، سواء في الجودة أو الوقت.

2. الـ 80%: التنفيذ المستقل

هذه المرحلة هي جوهر التفويض. بعد أن تقدم الإرشادات، دع الفريق يعمل على تنفيذ المهمة دون التدخل المستمر منك. هنا يُطلب من الفريق استخدام مهاراتهم واتخاذ القرارات ضمن الحدود التي وضعتها.

  • امنحهم المساحة والثقة، وكن مستعدًا للإجابة على الأسئلة أو تقديم المساعدة إذا لزم الأمر.
  • تجنب التدخل الدائم، بل ركز على التوجيه عند الحاجة فقط.

نصيحة: يمكنك عقد اجتماعات قصيرة لتقديم ملاحظات إذا كانوا بحاجة إلى مساعدة أو توضيح، ولكن اجعل هذه الاجتماعات قصيرة ومحددة.

3. الـ 10% الأخيرة: المراجعة واللمسات الأخيرة

في المرحلة الأخيرة، تعود لتقوم بمراجعة العمل النهائي وتقديم ملاحظاتك النهائية:

  • راجع النتائج بناءً على المعايير التي وضعتها في البداية.
  • قد تحتاج إلى إجراء بعض التعديلات البسيطة أو تحسينات نهائية.
  • تأكد من أن النتائج تتوافق مع رؤية الشركة والجودة المطلوبة.

نصيحة: استخدم هذه المرحلة أيضًا كفرصة لتقديم التغذية الراجعة الإيجابية والبناءة للفريق، بحيث يتحسن أداؤهم في المستقبل، ولا تنسَ التقدير.

من الاستراتيجيات المفيدة في التفويض هي استخدام مبدأ التفويض التدريجي، خاصة إذا كنت تمنح صلاحيات جديدة لموظف مستجد (وليس خبير). يعني ذلك البدء بتفويض المهام البسيطة أو الأقل تأثيرًا، ثم زيادة مستوى المسؤولية تدريجيًا مع مرور الوقت بناءً على تحسن أدائه. تابع كيفية إنجاز المهام الصغيرة، وإذا كانت النتائج إيجابية، يمكنك الانتقال إلى مهام أكبر وأكثر تعقيدًا.

لكن تكمن مشكلة هذه الطريقة في أن رائد الأعمال أو القائد قد يتحول دون وعي منه من “مدرب” إلى “مدرس يختبر ويعطي درجات”. ومع هذا الأسلوب، سيصبح الخطأ هو النجاح بالنسبة لك، وستجد نفسك تصطاد المشكلات كأنها انتصار، أو حتى خيبة أمل، ولكنك جاهز دائمًا للتعامل معها بهذه العقلية.

لذا، تجنب العقلية التي تركز على “ما يفهم” أو “قلت له ينفذ المهمة الفلانية وما عرف يسويها”. عليك أن تتذكر أن التدريب والتطوير هما مسؤوليتك، خاصة إذا كان الشخص لم يتم توظيفه بناءً على خبرة سابقة في هذه المهمة. وحتى إذا كان خبيرًا، قد تختلف طريقته في العمل عن ثقافة عملك. لذا، من الضروري دعمه في تطوير أسلوب يتناسب مع ثقافة العمل الخاصة بكما.

التواصل المفتوح والفعال

التفويض الفعال يتطلب تواصلاً مستمرًا، حيث يجب على الفريق أن يعرف أنك متاح للإجابة عن الأسئلة وتقديم التوجيه عند الحاجة. لكن من المهم أيضًا ألا تتدخل في التفاصيل الصغيرة بشكل مستمر؛ قدم المساعدة فقط عندما يكون ذلك ضروريًا.

لا تكن المنقذ أو رجل الإطفاء الذي يهرع لحل كل مشكلة فورًا. بدلاً من ذلك، ادعم فريقك وأعطهم المساحة الكافية لحل المشكلات بأنفسهم. وإذا جاءك أحدهم يطلب المساعدة، أشرح له طريقة تفكير 1-3-1 واطلب منه استخدامها معك. هذه الطريقة، التي تعلمتها من دان مارتيل، تتطلب تحديد “مشكلة واحدة فقط”، والبحث عن “ثلاثة حلول مقترحة فقط”، ثم اختيار “حل واحد فقط” للتنفيذ.

إذا تمكن العضو من اختيار الحل بنفسه، فهذا يعني أنه بدأ يفهم طريقة التفكير الصحيحة، وعليك فقط التأكد من أن اختياراته حكيمة. أما إذا لم يكن متأكدًا من الحل، اطلب منه أن يأتيك بالمشكلة الواحدة، مع ثلاثة حلول مقترحة، ثم تتناقشون حتى تتفقون على الحل الأنسب.

من المهم أن نفهم هنا أننا لا نتحدث عن المشكلات التي قد تكون حاسمة لحياة الشركة أو موتها، بل عن التحديات الصغيرة والكبيرة التي نواجهها يوميًا في العمل. في المجمل، هذه الطريقة في التفكير فعالة وذكية، وأنصح دائمًا بتدريب الفريق عليها بشكل مستمر.

تمكين الفريق

التفويض لا يعني فقط تسليم المهام، بل يشمل أيضًا تمكين الفريق بالموارد اللازمة لتحقيق النجاح. تأكد من أن لديهم الأدوات، المهارات، والمعرفة المطلوبة لإكمال المهام بنجاح. أحيانًا، قد يحتاج الفريق إلى تدريب إضافي أو موارد معينة لتحقيق الأهداف.قدّم فرص تدريبية إذا لزم الأمر وكن داعمًا دائمًا لتطوير مهارات الفريق.

التفويض حسب نقاط القوة

اعرف نقاط القوة لدى كل عضو في الفريق ووزع المهام بناءً على مهاراتهم وقدراتهم. عندما يتم تفويض المهام بناءً على مهارات كل شخص، يكون النجاح أكثر احتمالاً، وسيشعر الفريق بمزيد من الثقة والتمكين.

الثقة بالفريق وتجنب الإدارة التفصيلية Micromanagement

القائد الذي يثق بفريقه يمنحهم الحرية لاتخاذ القرارات بأنفسهم. إذا كنت تقوم بالتحقق في كل التفاصيل الصغيرة، فإن ذلك سيشعر الفريق بعدم الثقة وسيتجنب المخاطرة أو الابتكار. الثقة بالفريق هي الأساس لبناء علاقة ناجحة بين القائد وفريقه. إذا كنت لحد ما في مرحلة متقدمة وعرفت المنتجات التي تقدمها والمستوى من الجودة الذي ترضَ به. ركّز على النتائج النهائية وليس على كيفية إنجاز العمل. اسمح للفريق بتطوير أساليبهم الخاصة.

التغذية الراجعة الفعالة

بعد إنجاز المهمة، قدم للفريق تغذية راجعة بناءة. يجب أن تشمل التغذية الراجعة الثناء على ما تم إنجازه جيدًا، إلى جانب نصائح للتحسين في المستقبل. هذا يساعد الفريق على التطور وتحقيق أداء أفضل مع مرور الوقت. اجعل التغذية الراجعة دورية ومنتظمة، وليس فقط عند حدوث خطأ.

التفويض الناجح يعتمد على مزيج من الثقة، التواصل الفعال، تمكين الفريق، واستخدام الأدوات والأنظمة المناسبة.

التفويض كعملية تدريبية

كما تعلمت من خبرتي، التفويض هو عملية تعليمية مستمرة. يجب أن تعطي الفريق المساحة ليتعلم ويخطئ ويتطور – وشعورهم بالأمان تجاه هذه الحقيقية أمر مهم. إذا كنت تتوقع الكمال من اليوم الأول، ستجد نفسك محبطًا. بدلاً من ذلك، ركّز على بناء المهارات وتقديم الدعم اللازم حتى يصل الفريق إلى مستوى الثقة الذي يمكنك من تفويض المهام دون قلق.

الحرية الحقيقية تأتي من التفويض

إذا كنت تعتقد بأن سبيلك للحرية هو ريادة الأعمال فأنت مخطئ. الحقيقة هي أن سبيلك للحرية هو التفويض الصحيح والتدريب الجيد. ليس الهدف من التفويض أن تتوقف عن العمل، ولكن أن تعمل على مشروعك وليس فيه. هناك فرق شاسع بين الاثنين؛ ليس بالضرورة في حجم الجهد، بل في الأثر الذي تتركه.

عندما تعمل على مشروعك، تصبح قائدًا استراتيجيًا، تركز على النمو والتطوير المستمر، بينما عندما تعمل في مشروعك، تنغمس في التفاصيل اليومية التي تحد من قدرتك على التفكير بشكل أوسع. التفويض يسمح لك بتحقيق التوازن بين الرؤية الاستراتيجية وتنفيذ العمل بجودة.

التحرر من الأنا لصالح الفريق

في النهاية، التفويض الناجح يعتمد على توازن دقيق بين الحفاظ على المعايير العالية وبين إعطاء الفريق الفرصة للتعلم والنمو. عندما تتخلص من الأنا وتؤمن بفريقك، ستجد أن التفويض ليس فقط وسيلة لتخفيف الضغط عنك، بل هو جزء من بناء عمل مستدام وقوي.

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *