قوة الإرادة هل تكفي للإستمرار؟

للتو قررت أنك ستبدأ بعادة أو مهارة معينة جديدة، وأول ما يأتي لذهنك الشعور بالخيبة الذي حصلت عليه حينما قررت في المرة الماضية أن تلتزم بشرب الماء 2 لتر باليوم ولم تحققه، أو حينما قررت القيام بالرياضة 3 مرات بالأسبوع ولم تلتزم إلا بالأسبوع الأول مع الحماسة الأولى ثم انطفئت ومعها تجاهلت الرياضة كل مرة لسبب، وعذر، وشعور – مرة كان من أجل الإرهاق، مرة من أجل أولوية أخرى أهم، ومرة تعذرت بأن النادي الذي تذهب له مزدحم ومزعج. هل يبدو لك ذلك مألوفا؟

في الحقيقة، لست وحدك. لقد كنت دوما منذ سن مبكرة متحمسة بطبيعتي، ابدأ وانخرط بأشياء جديدة بقوة كبيرة وبكلّ ما لديّ، أتحمس لدرجة أن أصرف كل المبالغ التي أكون قد ادخرتها في التحضير لهذه العادة التي قد أكون قررت القيام بها؛ مرة في الرياضة، مرة في الأكل الصحي، مرة في هواية التصوير، مرة في الرسم التجريدي، مرة في رسم الطبيعة -لدرجة قمت بشراء مرسم كامل وتهيأ لي بأني حينما أضعه أمام البحر سأصبح رسامة ماهرة فقط لأني هناك-، مرة بالكتابة، مرة بالتصميم الجرافيكس، مرة بالأعمال اليدوية والديكوباج، مرة ومرة ومرة.. وكلّ مرة تكون فيها نفس الحماسة، ثم الأعذار، ثم الإنسحاب. وكنت أشعر وأدرك في قرارة نفسي بأن عدم الالتزام هذا وبدون تصالح أمر يقلل من ثقتي كل مرة بأني حينما أقرر (خلاص.. أكيد.. راح أسوي هالشيء يوميا! أو أو أو) بأنه لن يحصل. وكل ذلك حديث نفس.

ولأني بدأت أعرف ذلك عن نفسي لحد معي، بدأت في البداية الانصياع وتبسيط الأمور -لأن وقعها كان مزعجا فأنا أحب قيمة الإلتزام- فمرة أقول لا بأس، ومرة أقول لا! ومرة أقول أحيانا تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، وبأن علي التعايش مع الواقع ليس كل شيء أستطيع فعله. ولكن! بعد مدة وبعد لقاء بعدة مستشارات ومدربات في القيادة وبعمل اختبارات لاكتشاف الذات أدركت بأن عدم الالتزام تجاه نفسي وبالكلمة التي أقولها لنفسي كان يؤذيني بشكل مستمر – لم أعد أثق بكلمتي لنفسي! وذلك يعني بأني كنت أول شخص لا أصدقني! فكيف لي أن أتوقع بأن الآخرين سيفعلون؟

وصلنا للمشكلة، عرفنا تبعاتها، تبقى الحل؟

في بداية القرن العشرين، كان حلم الطيران يُعتبر من الأحلام المستحيلة. اعتقد العلماء والمهندسون أن الطيران أمر غير ممكن للبشر، وأن أي محاولة لصنع آلة طائرة ستكون عبثية. ولكن الأخوين رايت، أورفيل وويلبر، كان لديهما إيمان قوي بإمكانية تحقيق هذا الحلم. بعد سنوات من التجارب والأخطاء، نجحا في 17 ديسمبر 1903 في تحقيق أول رحلة طيران آمنة بطائرة تعمل بالطاقة. هذه الرحلة التي استغرقت 12 ثانية فقط، غيرت مجرى التاريخ وفتحت الباب أمام الطيران التجاري والعسكري الذي نعرفه اليوم.

لكن ما هو الأمر العجيب في هذه القصة؟ بعد أن نجح الأخوين رايت في الطيران، بدأت محاولات الطيران تتسارع في جميع أنحاء العالم. في السنوات القليلة التالية، استطاع العديد من المخترعين والمهندسين تحسين تصميم الطائرات وزيادة مدى الطيران ورفع قدرة الطائرات على حمل الركاب والبضائع.

ما الذي حدث هنا؟ ما فعله الأخوين رايت هو أنهم أزالوا الاعتقاد الزائف بأن الطيران مستحيل. وهنا يبرز العامل الحقيقي: لم يكن الحاجز فيزيائيًا بقدر ما كان عقليًا.

وهذا يقودني لنقطة هامة: الضغط الاجتماعي. هذا العامل الذي غالبًا ما نغفل عن قوته هو أحد المحركات الرئيسية لتحقيق النجاح. نحن كبشر، نميل للاعتقاد بأننا نتحكم في كل شيء، ولكن البيئة التي نضع أنفسنا فيها تشكل جزءًا كبيرًا من نجاحنا. لهذا السبب، من الضروري أن نحيط أنفسنا بالبيئة المناسبة التي تحفزنا وتدفعنا نحو تحقيق أهدافنا.

لكن ماذا عن الإرادة الشخصية؟ نسمع دائمًا عن قوة الإرادة وكيف يمكنها أن تغير حياتنا. ولكن للأسف، الإرادة ليست كافية وحدها. الإرادة أشبه بعضلة صغيرة، يمكن تقويتها لكنها ليست قادرة على حمل أوزان ثقيلة. لذلك، الأشخاص الناجحون غالبًا ما يغيرون في بيئاتهم بدلاً من الاعتماد فقط على إرادتهم. هذا ما يعبر عنه الكاتب بنيامين هاردي في كتابه Willpower Doesn’t Work، فهو يوضح أن البيئة التي نضع أنفسنا فيها هي التي تخلق النجاح.

سبق تحدثت عن فكرة الأربع طبقات من المحاسبة أو المساءلة الناجحة التي يمكن لأي شخص تطبيقها في حياته، وقد كتبها الكاتب ديمير بنتلي في كتابة Win the Week، نحتاج 4 أدوار حولنا في حياتنا للإلتزام بشكل قوي:

  • المرشد: شخص يرفع مستوى التوقعات منك ويؤمن بقدراتك حتى أكثر منك.
  • الرفيق: شريك في النجاح أو الفشل، يدفعك للمضي قدمًا ولا يسمح لك بالتراجع.
  • الفريق: مجموعة من الأفراد الذين يدفعونك نحو تحقيق أهدافك من خلال ممارسات مشتركة.
  • المساءلة العامة: تعهد علني بتحقيق هدف معين مع العلم أنك ستكون تحت المجهر.

هذه الطبقات الأربعة تعمل معًا لتشكيل بيئة لا يمكن الهروب منها، تدفعك نحو تحقيق أهدافك وتخلق داخلك شعورًا قويًا بالمسؤولية. فإذا كنت تريد تحقيق نتائج غير عادية، عليك أن تنسج هذه الطبقات.

النقطة الأساسية هنا هي أن النجاح لا يأتي فقط من خلال قوة الإرادة، قد تكون قوة الإرادة مهمة في البداية، لكن لا تكفي لوحدها للاستمرار في تنفيذ خططك على المدى الطويل. بدل الاعتماد على قوة إرادتك فقط، الأفضل إنك تقوم بتهيئة البيئة التي تساعدك على الالتزام بسهولة أكبر. مثلاً، لو كنت تنوي الالتزام بممارسة الرياضة، جرب البحث عن كوتش مناسب لك سواء أونلاين أو أوفلاين، اطلب منه متابعة التزامك وتقدمك وسؤالك، كذلك ابحث عن صديق يذهب معك، وأخيرا من الجميل لو كان عندك مجتمع أو مجموعة تشاركون بعضكم تقدمكم أو تتابعون وصولكم لأهداف مشتركة وأخيرا تحدّث عن رحلتك سواء أمام العامة أو في وسائل التواصل. هنا، بيكون عندك ضغط إيجابي من الناس اللي حولك، وبيصير الالتزام أسهل بكثير. ويمكن تطبيق نفس الفكرة على أي شيء ترى أنك لا تستطيع الالتزام فيه وتحب تلتزم فيه.

لاحظت، بأن الآن وبعد تمرين عضلة قوة الإرادة وباستخدام مستويات المسؤولية المختلفة هذه، بأني أهدى مع نفسي، وأثق أكثر بأني إذا ذكرت بأني سابدأ بشيء معين -في قرارة ذاتي- فغالبا أقوم وأعمله خصوصا إذا اقتنعت بأهميته.

بعد قراءتك هذا المقال، ما الذي قررت؟

مقالات ذات صلة

استجابات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. شكراً عالمقال الرائع يا سارة

    دائماً أقع في نفس المعضلة لدرجة بطلت ابدأ شي جديد عشان ما اوقف في النص ويخيب ظني بنفسي .. شعور مؤلم
    مبروك قناة اليوتيوب 💖

    1. الله يسعدك ريم، أفهمك .. استخدمي الاستراتيجية الجديدة بشيء مصغر mico-habit
      وشوفي كيف تقدرين تستفيدن منها